أبو الشتاء مساعيف..مداخل وواجهات استراتيجية لمناهضة التطبيع
سبق لنا في تدوينة سابقة أن تحدثنا عن المخاطر الاستراتيجية للتطبيع التي تهدد الكيان الأمني للدولة والبنيان المعنوي والأخلاقي للمجتمع، وتشكل خطرا حقيقيا على النسيج المجتمعي والأفق المستقبلي للبلد، وعطفا على ما سبق تحليله وتناوله سلفا، سنخصص الحديث اليوم عن واجب الوقت بخصوص التعاطي مع التطبيع بكل أشكاله، وما ينبغي فعله والتصدي له من واجهات أساسية، لإسقاط مشاريع التطبيع. وكما يقال المناسبة شرط، ففي حوار السيد الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي مع موقع العربي21، استوقفتني عبارات بخصوص جوابه عن سؤال كيفية مواجهة التطبيع، حيث قال حفظه الله “خيارات جماعة العدل والإحسان من خيار الشعب المغربي وعموم الأمة المسلمة، وهي متعددة؛ تنطلق من الرفض المبدئي الراسخ في قناعات الأفراد، وتمر عبر التعبير الصريح القاطع بكافة أشكال التعبير من الكلمة إلى المشاركة في الأشكال الرافضة مثل الاحتجاج، والسعي في تكتل القوى المدنية والسياسية والدعوية والعلمائية، ووضع الأحلاف والمواثيق الرافضة لهذا الاختراق، الذي يريد من خلاله كيان الاحتلال الصهيوني تطبيع وجوده في وعي وواقع الأمة”، وحسبي هنا أن أقف على هذه المضامين العميقة ذات الدلالات التربوية والسياسية والتدافعية، والتي من خلالها يمكن الحديث عن واجهات ومداخل أساسية لمناهضة التطبيع، نبسطها كما يلي:
▪︎ الواجهة الشرعية الدينية: وهي واجهة أساسية جدا لأنها تعنى بقضية فلسطين في ديننا وعقيدتنا وثقافتنا وحضارتنا، وهذه مسؤولية العلماء الذين من الواجب عليهم التبليغ والصدع بالحق وعدم السكوت عن هذه الجريمة النكراء، وبيان حقيقة موضوع التطبيع وموقف الشرع منه، وهي مسؤولية جسيمة أمام الله عز وجل وأمام الناس، فالعلماء والدعاة مهمتهم اليوم أن يبينوا للأمة ولأفرادها موقع فلسطين والمسجد الأقصى في شريعتهم، ويرسخوا ذلك في عقيدتهم ووعيهم، حتى لا يكونوا ضحايا لتزييف الآلة الاعلامية، وعليهم أن يحرضوا الأمة على مناهضة التطبيع بكل أشكاله، وإنها لعقبة كأداء لا يقوم لها إلا الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم.
▪︎ الواجهة السياسية والحقوقية: وهي مدخل استراتيجي حاسم في معركة مناهضة التطبيع اليوم، لأن من شأنها تشكيل تمايزات حقيقية، وتكتلات فارقة داخل الحقل السياسي ببلادنا، فالتاريخ يسجل بمداد من الفخر والمجد والعزة في سجلاته لوائح الهيئات والتنظيمات والشخصيات والنخب التي انبرت في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة لمواجهة التطبيع بكل الأشكال المتاحة ميدانيا من وقفات وفعاليات منددة، وسياسيا من خلال المواقف الصلبة المخلدة والفعاليات السياسية والنخبوية المؤطرة للمرحلة بكل الأشكال المتاحة في ظروف الوباء، وحقوقيا من خلال رصد وتوثيق الانتهاكات والترافع القانوني والقضائي ضد التطبيع، وتشكيل جبهات وتنسيقيات وطنيا ومحليا لمناهضة التطبيع، وفي ذات الوقت يسجل التاريخ بمداد من الخزي والذل والعار ويوثق كل من تخاذل وطبع وباع القضية، وتبع القوم في غيهم وجبروتهم وظلمهم، وتسلطهم ضدا على إرادة الشعوب، والله غالب على أمره.
▪︎ الواجهة العلمية التعليمية: وهي جهاد العلم في هذا الباب من خلال إنجاز البحوث والدراسات والكتابات المناصرة للقضية الفلسطينية الممتدة جذورها تاريخيا وجغرافيا، والكاشفة لخطر التطبيع وزيف أهدافه، ومن هنا يلقى على عاتق الدارسين والباحثين والأساتذة واجب تاريخي وحضاري يتمثل في التنقيب والاجتهاد لإعداد مواد علمية وتربوية وتدريسها للأجيال لترسيخ وعيها بطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني، وحقيقته وخلفياته وأهداف الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري العنصري، كما أن مراكز البحث والدراسات مدعوة اليوم بأطرها وكوادرها لتضاعف الجهد من أجل إنتاجات علمية محكمة وتنظيم محطات أكاديمية متعددة لصناعة وعي حقيقي يزحف على مساحات التزييف، ويشطب التحريفات المصطنعة لتمرير الصفقات المشبوهة الساعية لإعادة ترسيم منطقة الشرق الأوسط.
▪︎ واجهة الدعاء والتبتل: إنها أشد وأقوى واجهة، لأن أهلها رجالا ونساء طائفة قليلة من رهبان الليل، القائمون بين يدي الله الواحد الديّان، الساجدون له في الثلث الأخير من الليل، يدعونه خوفا وطمعا، يسألونه النصر والفتح المبين، فلنكن من هؤلاء الرجال ولنكثر من الدعاء، ويا لها من واجهة لا يعرف قدرها إلا الراسخون في تربة العبودية لله الملك القدوس، فالدعاء الدعاء، وكم يهاب الصهاينة هذه الواجهة، وكيف لا ومشروعهم قائم أصلا على عقيدة دينية، تحسب ألف حساب لأصحاب القلوب المطمئنة، وإنه لا يذهب ظلام القسوة والشرور، إلا فقه القلوب، قلوب برئت من حب الدنيا وكراهية الموت، فهبت لطلب وجه الله، ولبت نداء (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وكان وعدا مفعولا )صدق الله العظيم