محاكمة رمزية للتطبيع والمطبعين: على الدولة وقف قرار التطبيع والاعتذار العلني للشعب المغربي
نظمت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، بعد زوال يومه السبت 25 دجنبر 2021 بمقر نادي هيئة المحامين بالرباط، محاكمة رمزية للتطبيع والمطبعين، توزع فيها المشاركون إلى مترافعين يقدمون دفوعاتهم ومرافعاتهم القانونية إلى رئيس المحكمة، وهيئة حكم تكفلت بتلقي الطلبات والاستماع إلى المرافعات وإصدار الحكم.
وتميز النشاط بحضور وجوه وشخصيات وطنية بارزة ومعروفة بدفاعها المستميت عن القضية الفلسطينية، ورفضها الصارم لاتفاقية التطبيع بين المغرب وكيان الاحتلال الصهيوني، وكذا بمشاركة فاعلين من فلسطين.
وبعد الاستماع لمرافعات الدفاع وممثل الحق العام والنيابة العامة وممثل الحكومة المغربية وشهادة الشهود، وبعد اختلاء هيئة الحكم، التي تشكلت من النقيب عبد الرحيم بن بركة رئيسا والأستاذتين لطيفة البوحسيني والسعدية الضريس، للمداولة، أصدرت حكمها بإدانة الحكومة المغربية ودعوة الدولة إلى التراجع عن قرار التطبيع وكل الاتفاقيات التي أعقبته، مع تقديم اعتذار علني للشعب المغربي.
وقف اتفاقية العار.. لأن هذه حقيقة الكيان
في مرافعة حقوقية وقانونية رفيعة، بيّن الناشط سيون أسيدون جملة من الأعطاب التي اعترت قرار تطبيع العلاقات بين المغرب وكيان الاحتلال الصهيوني قبل عام، داعيا في مطالبه الدولة المغربية إلى وقف هذه الاتفاقية وإلغاء القرار.
وشدّد أيضا على أهمية إغلاق مكتب الاتصال مع هذا الكيان، وضرورة إطلاق سراح مشروع قانون تجريم التطبيع الذي سبق أن تقدمت به أربعة فرق برلمانية ومازال مجمدا إلى اليوم.
أما عبد الصمد فتحي فقد خصص شهادته في هذه المحاكمة للحديث عن مشاهد “يسر الله لي أن أحضرها، منها أسطول الحرية” وهو أسطول شارك فيه أزيد من 750 ناشط سياسي كلهم توجهوا إلى غزة لكسر الحصار ولنقل أزيد من 10 آلاف طن من المساعدات للشعب الغزاوي هناك، لكن الإرادة والقرار الصهيونيين حالا دون تحقيق هذا المطلب والحلم الذي كان يراود هؤلاء الأحرار الذين اجتمعوا بغض النظر عن دينهم ومرجعيتهم، وراودهم حلم واحد هو تحقيق الحرية لشعب محاصر.
وقال فتحي مستحضرا أحداث من ذلك التاريخ “تمت عملية قرصنة الأسطول وهو في المياه الدولية على مشارف مياه شاطئ غزة وتدخلت البوارج البحرية لتمنع هذا الأسطول من تحقيق أهدافه”، وفي الساعة الرابعة صباحا بدأت البوارج الحربية بتهديد الركاب وتخيف كل من في الأسطول فتظهر تارة وتغيب تارة أخرى، وفي الساعة السادسة صباحا حصل الاقتحام باستعمال مروحيات نزل منها جنود صهاينة وهم يحملون رشاشات، وبدم بارد يقتلون كل من وقف في جنبهم من شباب مدنيين وسقط 9 شهداء وما يفوق 57 جريحا والتحق أحد الجرحى بالشهداء بعد أيام.
وفي اقتحامه لهذا الأسطول ارتكب الكيان الصهيوني جرائهم عدة، أولها الحصار والتخويف والتهديد والقتل بقوة السلاح، واعتقال كل الركاب على متن الأسطول وتفتيشهم تفتيشا مهينا بالجثو على الركب من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، إمعانا في الإرهاب والإهانة وكلهم برلمانيون وحقوقيون وإعلاميون وشخصيات فكرية وازنة مناصرة والعالم كله يشاهد، فما بالك بما يفعلون في الظل بالشعب الفلسطيني. يتساءل عبد الصمد فتحي رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة.
جريمة مكتملة الأركان
أما الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد القادر العلمي، فقال بأن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني جريمة مكتملة الأركان؛ إذ هي تبييض وتزكية لجرائمه اللامتناهية التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني. وعدّد أبرز تلك الجرائم في أمثلة عدة وعديدة.
العلمي سرد عددا من العناوين العريضة للعدوان الصهيوني الذي يتجاوز فلسطين لكل الجوار العربي والإسلامي، ويتعدى الأرض إلى الإنسان الفلسطيني والعربي، ولا يقتصر على الجغرافيا بل امتدت يد عدوانه إلى التاريخ والهوية الفلسطينية ومقدساتها. ومن أبرز تلك الجرائم الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والجولان وغيرهما من الأراضي التي انسحب منها جيش الاحتلال، وما ارتكبته وترتكبه قوات هذا الاحتلال الغاشم من جرائم في حق العزل من قتل يومي للإنسان الفلسطيني عموما والأطفال والنساء والشيوخ خصوصا.
العدوان الصهيوني شن أيضا، يضيف العلمي في مرافعته الرمزية، عدوانا متكررا على الأراضي الفلسطينية خاصة في قطاع غزة ارتكبت خلاله أبشع جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي وثقتها محاكم دولية. كما يتعمد الصهاينة، بحسب العلمي دائما، تهجير الفلسطينيين ومعاقبتهم جماعيا من خلال هدم البيوت وانتزاع الأراضي وتوزيعها على المستوطنين الصهاينة، وما يقع في حارة المغاربة ومعظم أحياء القدس خير مثال يضيف المتحدث. ولا يقتصر الاعتداء الصهيوني على الأرض والبنيان والإنسان بل امتدت إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية بفلسطين، أورد منها العلمي عدة أمثلة منها الاقتحامات المتكررة لقطعان المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، والسعي إلى تغيير المعالم الدينية والثقافية في المدينة المقدسة.
وختم العلمي مداخلته باستخلاص أن أي تطبيع مع هذا الكيان الإجرامي هو تزكية وتشجيع له على مزيد من الاجرام في حق الفلسطينيين، بل عده تنكرا صارخا لكل القيم الإنسانية، والأدهى، يستغرب العلمي في حالة المغرب مثلا، أن يصل التطبيع إلى حد التحالف العسكري مع هذا الكيان، مما يهدد الأمن القومي للدول والشعوب العربية والإسلامية. وبالمقابل، يضيف المتحدث، تلجأ السلطات المغربية إلى قمع كل الأصوات المنددة بهذا الانحدار، واستدل على ذلك بالقمع الشرس الذي تتعرض له التظاهرات والوقفات التي يعبر من خلالها الشبع المغربي من رفضه القاطع لهذا المسلسل التطبيعي.
التطبيع دعم للاحتلال.. وقرار الدولة حاول تكميم الأفواه
وقالت الأسيرة الفلسطينية المحررة خالدة جرار خلال مشاركتها في المحاكمة الرمزية للتطبيع والمطبعين إن “التطبيع دعم عملي للاحتلال الذي يرتكب كل أشكال الانتهاكات بحقوق الأسرى والأسيرات”، معتبرة أنه يشكّل “غطاءً لتجميل وجه الاحتلال العنصري والفاشي”، وحكت عن مشاعر الغضب الكبير الذي اجتاح الأسرى الفلسطينيين وهم يتلقون خبر اتفاقيات التطبيع المتتالية، مؤكدة أن يوم توقيع اتفاقية التطبيع المغربي مع الاحتلال كان “يوما حزينا جداً” سادت فيه “حالة من عدم التفهم” لغطاء عربي للانتهاكات التي يعيشونها ويتعرضون لها.
وفصّلت جرار القول في الحوادث التي تتعرض لها الأسيرات في سجون الاحتلال؛ حيث يجرى الاعتداء عليهن وقمعهن وضربهن وسحلهن ونزع الحجاب عنهن، مع عزل الأسيرات من قيادات المقاومة. وقد حوّلت الإدارة سجنهم إلى مكان للقمع المتواصل، من خلال المنع من زيارة العائلات، والمنع من التواصل مع المحامين، والتهديد برش الغاز. موضحة حجم الضرر الكبير الذي يلحق الأسيرات جراء اتفاقيات التطبيع، وما يتعرضون له تبعا لذلك في الزنازين وأثناء نقلهم إلى المحاكم وإلى مراكز التحقيق أو التوقيف.
وبينما تحدثت عن ظروف الاعتقال المهينة للأسرى والأسيرات تلك، وجهت خطابها إلى المطبعين والمطبعات بالقول إنه “عندما تطبعون فأنتم تشاركون في توفير دعم كبير للاحتلال”، وتساهمون في “انتهاك حقوق الأسرى” و”التغطية على أبشع أنواع الانتهاكات التي تجري في حقهم”، فلا تكونوا شركاء لهذه الجرائم، ولا تشكلوا غطاءً لها. تضيف خالدة جرار.
من جهته اعتبر الأستاذ أغناج الذي انتصب محاميا ضد التطبيع في هذه المحكمة، أن “تسويق التطبيع على أنه قرار سيادي حاول تكميم الأفواه، وحاول فرض الأمر الواقع”، بمعنى أنه لم يفسح المجال حتى لمناقشته بديموقراطية.
وأوضح أن تسويقه بهذا الشكل ترتب عنه منع جميع الانشطة المناهضة للتطبيع، في مقابل تشجيع الزيارات والوفود الزائرة إلى غير ذلك من مظاهره، وبالتالي فهذا التسويق بحد ذاته يعتبر إخلالا من الدولة المغربية بواجباتها. ولفت إلى أن هناك رهانا من قبل المطبعين على تشتيت بنى المجتمع المغربي، “وهذا رأيناه في عدة مستويات ذكرها الشهود المتدخلون قبلي، بينت أن هناك رهانات لمجموعة من المنظمين على المس ببعض النقط الحساسة داخل المجتمع وتضخيمها من حيث تنال هذه القوى التطبيعية من تماسك المجتمع المغربي واتحاده”.
وأضاف المحامي أغناج في مرافعته مسألة اعتبرها مهمة، مرتبطة بالأضرار التي يلحقها هذا التوجه التطبيعي بالجماعة اليهودية المغربية المقيمة في المغرب، موضحا أن التطبيع يستهدف كذلك هذه الجماعة. ولكل ذلك، التمس أغناج من المحكمة الموقرة انطلاقا من وضوح الرؤية، “إدانة التطبيع وإدانة المطبعين والاستجابة لمطالبنا المفصلة، ولمحكمتهم الموقرة واسع النظر”.
مؤاخذة الحكومة.. ووقف للاتفاقية مع الاعتذار للشعب
وفي مرافعة قانونية قوية وشاملة، طرح ممثل الحق العام النقيب عبد الرحيم الجامعي العديد من النقاط الهامة، قبل عرض مطالبه الرئيسة. انطلق في مرافعته بالتذكير بموقف الشعب المغربي المشرف دائما عبر الزمن في دفاعه عن القضية الفلسطينية، مؤكدا أن كل الشعب المغربي يجد نفسه في هذه الشكاية التي يتقدم بها إلى هيئة الحكم الرمزية.
وعرج الجامعي في حديثه أساسا على عقيدة الكيان الصهيوني وجدور التطبيع من جهة، ثم مسار التطبيع في العالم العربي وصولا إلى المغرب من جهة ثانية، وثالثا وقف عند طبيعة التطبيع من وجهة نظر القانون المحلي والدولي، مذكرا بمخاطر التطبيع وعارضا ملتمسات ختامية. وتأسيسا على قواعد الحرية والسلام وحب الحياة والعدالة، مما توافقت عليه البشرية، ذكّر بعقيدة “إسرائيل” وتاريخها الدموي الاستعماري من قتل للصغار ونساء ورجال فلسطين، وأغنى مداخلته بجملة من المعطيات القانونية الدولية والتشريعية والتقارير والمعطيات الواقعة التي لا يرقى إليها الشك، كالحروب المختلفة المتكررة على فلسطين وغزة، كل ذلك لرسم صورة حقيقية حول حقيقة هذا الكيان وتنكيله الدائم بحقوق الإنسان.
وفي حديثه عن مسار التطبيع مع الدول العربية، شدد على رفضه الشعبي رغم أن عددا من الدول والأنظمة مضت فيه. وشدد في المسألة الثالثة على أن التطبيع له أربعة أبعاد؛ بعد دستوري وآخر سياسي وثالث ثقافي ورابع جنائي، مؤكدا أن النظر المتبصّر في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية تسقط عن اتفاقية المغرب مع كيان الاحتلال المشروعية، مشددا على إنها تخرق وتنتهك الدستور المغربي. وانتهاك قواعد النظام العام، بل إنها تؤسس للتعاون مع مجرمي حرب، والمس بالسلامة الداخلية.
وتقدم في ختام مرافعته بعدد من الملتمسات؛ على رأسها مؤاخذة الحكومة وإدانتها، ووقف الاتفاقية وإلغاء قرار التطبيع، وإلغاء كل ما ترتب عن قرار التطبيع من اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية، وتقديم اعتذار علني أمام البرلمان وإذاعته في وسائل الإعلام العمومية، وإغلاق كل وسائل التواصل والمواصلات وكل الحدود البرية والبحرية والجوية مع كيان الاحتلال، ناهيك عن إدانة كل الشركات والهيئات والمؤسسات التي انخرطت في اتفاقيات تطبيع، والحكم على الدولة المغربية بتبليغ قرارها التراجع عن قرار التطبيع لجامعة الدول العربية وللأمين العام للأمم المتحدة.
منطوق الحكم.. إلغاء للقرار واعتذار للشعب ومواصلة دعم كفاح الشعب الفلسطيني
بعد ذلك، وبعد اختلاء هيئة الحكم للمداولة، انطلق رئيس المحاكمة النقيب بن بركة في التأسيس لقراراته بالتذكير بقواعد المحاكمة العدالة، والمواثيق الدولية والدستور المغربي، وقواعد استقلال السلطة القضائية لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، ومبادئ ذات الصلة لدور المحامين لمنع الجريمة، وأخذا بعين الاعتبار تصريحات مختلف الأطراف، لتؤكد المحكمة ابتداء دعم كفاح الشعب الفلسطيني الذي كان ولا يزال قضية وطنية لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الأسباب.
وبناء على الأدلة القوية المقنعة التي تم عرضها، أدانت المحاكمة المشتكى بهم لما قاموا به وارتكبوه من أفعال منسوبة إليهم في صحك الاتهام، والتي تمثلت أساسا في التواطؤ مع كيان مارس ويمارس مختلف الصورة الواضحة لعمليات القتل والدمار في مخالفة صريحة للقانون الدولي والوطني. منوهة إلى مخالفة الحكومة المغربية للدستور وخصوصا فصوله 6 و19 و23 … وهو ما يعدّ خروجا عن المشروعية، وخرقا لقواعد النظام العام الخاصة بحماية الأمن الإنساني للمواطنين والاستقرار ودولة القانون، وخرق لالتزامات المغرب الدولية وخرقا لاتفاقية فيينا، ومشاركة في انتهاك الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، واتفاقا مع مجرمي حرب والتطبيع مع عصابة إجرامية تعمل على ارتكاب الجرائم وعدم التبليغ على ارتكاب جرائم، وتبذير المال العام، وعدم مساعدة الناس في خطر، والمس بالسلامة الداخلية والخارجية للمغرب.
من أجل ذلك، وغيره، تمت إدانة ومؤاخذة الحكومة على قرارها التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، والحكم بفسخ وإلغاء كل الاتفاقيات التي تم إبرامها والاتفاق عليها منذ ذلك القرار واعتبارها غير مشروعة وكأنها لم تكن، وكذا إلغاء كل ما ترتب عن اتفاقيات التطبيع ماليا وسياسيا واقتصاديا، وإلى جانب ذلك قضت المحكمة على الحكومة المغربية بتقديم اعتذار علني للرأي العام يذاع في وسائل الإعلام العمومية لمدة شهر باللغة العربية والأمازيغية وثلاث لغات يختارها المشتكون.
وطالبت هيئة الحكم أيضا بطرد ممثلية الكيان المحتل من التراب الوطني، وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية مع الكيان الصهيوني، وإسراع الحكومة بعرض مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومبادرتها إلى اتخاذ خطوات اعتقال مجرمي حرب الكيان. كما قضت على الأشخاص والمؤسسات التي تورطت في التطبيع سواء كان اقتصاديا أو ثقافيا أو سياحيا بفسخ لكل تلك العقود التي حررت ووقع الاتفاق عليها.