هشام توفيق..ثلاثية المساحيق والهزائم: كيف نفهم سياق «ثأر الأحرار» وعملية الاغتيالات؟
«ثأر الأحرار» هي معركة غير مفتوحة لكنها جماعية التصوّر، تشاركية الميدان، ذكية الاستراتيجية، جديدة التكتيك والخطط، «ثأر الأحرار» شبيهة بـ «وحدة الساحات» لكنها معركة تفتل في القوة التراكمية تصاعداً وإحلالاً لمعركة مفتوحة..
كيف نفهم سياق المعركة وعملية الاغتيالات؟
أراد الاحتلال هذه الحرب من خلال هذه الاغتيالات تحقيق ثلاثة أهداف في ثلاثة سياقات:
أولاً: سياق الداخل
تمّ توظيف الاحتلال هذه الاغتيالات في زمن حرج، وهو سياق الشارع «الإسرائيلي» المنقسم وسياق التفتت الداخلي السياسي المؤثر على العسكري، فسعى الاحتلال إلى «تصدير» أزمته خارجياً وتوظيف سياسة الاغتيالات والحرب للتغطية على مشاكل الحكومة ونتنياهو…
ثانياً: سياق الإقليم
نتنياهو وظف هذه الحرب في مرحلة فشل التطبيع في المنطقة وأثناء سياق فشل خطة «صفقة القرن» وخطة «ملء الفراغ» الأميركية لإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة، فلا غرو توظيف هذه الاغتيالات لتزييف الحالة التي وصل إليها الكيان الصهيوني في المنطقة، الذي لم ينجح في صناعة «ناتو عربي إسرائيلي» يحميه من تهديدات الداخل والخارج…
ثالثاً: سياق المواجهة
تأتي هذه الحرب في سياق تصاعد المقاومة وبوادر استعدادها لمعركة كبرى فضلاً عن تصاعد قوة ردعها، وللكيان الصهيوني غاية من هذه الحرب وهي قطع شريان غزة عن الضفة، مما دفعه إلى تصريحه الأخير عن وجود مقاومة مسلحة تتجهّز من الضفة لمواجهة الاحتلال، بل وتصنع الصواريخ، وهي سابقة من نوعها إنْ تأكد الأمر، ليكون بذلك السبب الرئيس من حرب الكيان الصهيوني «السهم الواقي» اليوم أمام (ثأر الأحرار) و»الفجر الصادق» أمام (وحدة الساحات) ـ هو ليس فقط تزيين الكيان وجهه وتضليل اليهود عن الأزمة السياسيةـ بل وهو التخوّف من علاقة بنيوية استراتجية بين غزة والضفة التي حققت «الصنع الخفي» الذي تحضّر له المقاومة الفلسطينية منذ نهاية «سيف القدس»، وهو صناعة البؤر المسلحة المنظمة في الضفة، استعداداً للخروج بقوة أثناء فتح معركة كبرى مثل «سيف القدس»، يساهم فيها كلّ فلسطيني في الداخل والضفة وغزة وحتى خارج فلسطين.
إذن حاول الاحتلال تجاوز أزماته في (سياق الداخل وسياق الإقليم وسياق المواجهة) من خلال سياسة الاغتيالات وهو ما لم ينجح مع المقاومة التي لن تكون ظهر البعير الذي يحمل عليه الأسفار البالية..
ثلاثية المساحيق الفاشلة
الكيان كان يبحث عن مساحيق تجميل رصدناها من خلال سياسة التطبيع لتزيين وجه الاحتلال ومشروعه الجديد، ثم جاءت سياسة اقتحامات الأقصى وإعدام الأبطال في الحوارة وجنين ونابلس وطولكرم، كله لتزيين صورته، ثم أضاف نتنياهو سياسة الاغتيالات للتغطية على الأزمة الداخلية الإسرائيلية، كلها سياسات فاشلة لحكومة متطرفة لم تقنع المجتمع الصهيوني المتشتت بنتائج هذه التحركات…
هل فشل الاحتلال في بنك أهدافه مثل حرب «وحدة الساحات»؟
لم ينجح الاحتلال في تشتيت صف المقاومة ولا الاستفراد بالجهاد الإسلامي وزاد الصف الفلسطيني تماسكاً، بل قلبت المقاومة الطاولة على الكيان الصهيوني وقوّضت «إنجازاته» من الاغتيالات، ولم تسمح له بالعودة بمثال معركة «وحدة الساحات» وسياسة «زجّ العشب «، والغريب في الأمر صدمة الاحتلال من تحوّلات استراتيجية في الميدان.
فـ سابقاً كان الاحتلال يتخوّف من غزة ويحدّد بنك أهدافه فيها لتصفية مشروعها المقاوم، فهي البعبع المخيف المهدّد للأمن «الإسرائيلي»، في المقابل كانت الضفة لقمة سهلة في التصفية والضبط والتدجين، لكن الأحوال تغيّرت الآن، فتحوّل الاحتلال إلى عنصر يواجه غزة خوفاً من خروج غزة ثانية في الضفة، وليس خوفاً من خروج غزة من غزة، بمعنى يصنع الاغتيالات ويوجه الضربات لغزة لمنع المولود الجديد الذي يصنع في الضفة بأمّ غزية ورعاية حماسية وجهادية…
فانظر كيف تغيّرت الاستراتيجية الصهيونية في المواجهة، يريد ردع غزة لقتل مشيمة الجنين الذي يصنع وينمو في الضفة…
بقلم هشام توفيق