عبد الصمد فتحي..تصريحات ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني: سقوطٌ أخلاقي وقانوني

تصريحات ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني: سقوطٌ أخلاقي وقانوني
تشكل تصريحات دونالد ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه سقوطًا أخلاقيًا وقيميًا مدويًا، إذ تمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط حقوق الإنسان وخرقًا جليًا للشرعية الدولية. فالقانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة، يعتبر الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة، ويُحرِّم صراحةً تهجير سكانها قسرًا أو فرض أي تغيير ديمغرافي عليها.
لكن العقلية الصhهيونية لا تقيم وزنًا للأخلاق أو القانون، وتتمادى في غيها، متوهمةً قدرتها على فرض إرادتها بالقوة، متجاهلةً دروس التاريخ وحقائق الحاضر. فهل يُعقل أن يُنفَّذ اليوم ما عجز العدوان الصhهيوني عن تحقيقه طيلة أربعة عشر شهرًا من القتل والدمار في غزة؟ وهل يظن الأمريكيون أن مخططاتهم ستمر دون ثمن؟ إن أي محاولة لفرض هذا المشروع تعني مواجهةً حتمية ستدفع واشنطن ثمنها من جنودها وعتادها ومصالحها في المنطقة والعالم.
رفض الشعوب رغم تواطؤ الحكومات
أما الدول التي يُراد تهجير الفلسطينيين إليها، فحتى لو خضعت أنظمتها لضغوط اللوبيات الصهيونية والمسيحية المتصهينة، فإن شعوبها ستقف بالمرصاد لهذا المخطط الآثم، رافضةً أن تكون شريكةً في جريمة تطهير عرقي جديدة. فالقضية الفلسطينية لم تعد مجرد مسألة عربية أو إسلامية، بل باتت قضية إنسانية عالمية تلتف حولها شعوب الأرض، وهذا ما تجسد في الحراك الشعبي الواسع الذي شهدته العواصم والمدن الكبرى في العالم تضامنًا مع غزة ورفضًا للعدوان الصهيوني.
العقلية التجارية والرهان الخاسر
إن من يقف خلف هذه المخططات ليس سوى صهhيوني مهووس، يغازل اليمين المتطرف، ويظن أن بإمكانه التعامل مع الشعوب كما يتعامل مع الصفقات التجارية، معتقدًا أن كل شيء قابل للبيع والشراء، حتى الأوطان والبشر. لكنه يجهل أن هناك من يوقن بأن “الآخرة خير وأبقى”، وأن الموت في سبيل الله أشرف من حياة في ذلة واستعباد. إن هذا الجهل بحقائق الإيمان والعقيدة، وهذا التعالي الأرعن، هو ما يعميهم عن إدراك أن إرادة الشعوب لا تُشترى، وأن مقاومة الاحتلال والتضحية في سبيل الأرض والكرامة أمر مغروس في وجدان الأمة، مهما اشتد العدوان أو طال الزمن.
علو الصhهيونية واقتراب وعد الآخرة
ولحكمة يعلمها الله، كلما ازداد العلو الصهيوني، كلما اقترب وعد الآخرة، ذلك الوعد الذي تحدثت عنه الكتب السماوية، والذي يرتبط ببلوغ الصhهيونية قمة فسادها وظلمها، مما يزيد وعي الأمة بمخططاتها ومكرها، ويحفز الشعوب على التحرك لمواجهتها. ولعل من أبرز ملامح هذه المرحلة تزايد عزلتهم على الساحة الدولية، وارتفاع وتيرة الرفض الشعبي لهم، ليس فقط في الدول العربية والإسلامية، بل حتى داخل المجتمعات الغربية التي كانت يومًا داعمًا رئيسًا لهم، لكنها بدأت تدرك خطورة مشروعهم العنصري.
المغرب بين التاريخ والموقف المريب
ومن المفارقات العجيبة والمضحكة المبكية، أن المغرب، الذي كانت مسيراته المليونية من أبرز مظاهر الدعم الشعبي لفلسطين، يُطرح اليوم كوجهة محتملة لتهجير أهل غزة! هذا المغرب الذي سطَّر أجداده صفحات مجيدة في الدفاع عن القدس إلى جانب صلاح الدين الأيوبي، وشارك جنوده بشجاعة في معارك الجولان ضد الاحتلال، كيف يُراد لشعب بهذا التاريخ أن يكون جزءًا من مؤامرة خيانة فلسطين؟
إن الأحرار في المغرب لن يقبلوا أن يُباع شرف الأمة مقابل وهم دعم أمريكي للصحراء، فالقضية الوطنية لا تُحرَّر بالارتهان للابتزاز، بل بإرادة الأحرار، لا بركوع العبيد. والصحراء لن تُستعاد بالتبعية للصhهيونية، بل برفع رايات الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية.
والمثير للدهشة أن جميع الدول انتقدت تصريحات ترامب، باستثناء المغرب، الذي التزم صمتًا مريبًا. فهل هو الحرج من الموقف؟ أم أن هناك حسابات سياسية تُدار في الخفاء؟ أيا يكن السبب، فإن أي استجابة مغربية لهذا المشروع الجنوني ستكون انتحارًا سياسيًا وأخلاقيًا، وربما تكون آخر مسمار في نعش المتصهينين.