التطبيع القسري.. جريمة
بقلم: رشدي بويبري
تصاعدت في الآونة الأخيرة، داخل المغرب، وتيرة الأنشطة التطبيعية مع الكيان الصهيوني المجرم والغاصب، وتعددت أنماطها وصورها ما بين أنشطة سياسية واقتصادية وثقافية وأخرى رياضية. ومن المعلوم لدى القاصي والداني أن النظام المغربي هو من أكثر الأنظمة العربية جرأة على التطبيع مع الصهاينة واندفاعا في هذا المسار المناقض لهوية المغاربة ومزاجهم العام ومواقفهم الأصيلة المتضامنة مع أهلنا في فلسطين والمساندة لجهادهم المقدس والمشروع ضد جرائم الكيان الاسرائيلي وانتهاكاته الفظيعة لحقوقهم وفي مقدمتها حق الحياة. والشواهد الواقعية على هذه السياسة المخزنية أكثر من أن تحصى، بل لا يخجل كثير من رموزه من التعبير عنها والاعتداد بها وتبريرها والدفع بوثيرتها للارتفاع بكل الوسائل. ولعل أحدثها إعلان العزم عن استقبال الرئيس الصهيوني “بيريز” في نشاط سياسي بمراكش الشهر الجاري ثم التراجع عن ذلك بسبب الضغط الاعلامي لمناهضي التطبيع المغاربة، ليعوض حضور هذا الأخير بمشاركة رئيس الحكومة “بن كيران” بجواره في مؤتمر دافوس بالأردن وإنصاته لخطابه في وقت قاطعه آخرون. يضاف إلى ما سبق استقبال المنتخب الإسرائيلي للجودو للمشاركة في إحدى البطولات الرياضية المنظمة هذه الأيام بالمغرب.
ولئن كان التطبيع مع الكيان الصهيوني، داخل المغرب، سيرورة متنامية يحرص المخزن منذ زمان على رعايتها وتغذيتها وتقويتها في كل المجالات، فإن تصاعد إيقاعه مؤخرا واتخاذه لصور سافرة -في ظل رسوخ مواقف الرفض والمناهضة التي تعبر عنها شرائح واسعة من المجتمع المغربي وقواه الحية- يطرح مجموعة من التساؤلات ويفترض كثيرا من التأويلات حول الغرض من تسريع وتيرة هذه السياسة التطبيعية القسرية المفروضة على الشعب بقوة الاستبداد وجبروته. فقد يكون الهدف من هذا كله الرغبة في المزيد من إحراج حكومة بن كيران وتجربتها السياسية بدعوى تناقض سلوكاتها السياسية مع الأسس الإيدلوجية للحزب الحاكم واختياراته ومواقفه السياسية التي كان يعبر عنها والتي تؤطَّر في خانة المناهضة للتطبيع. وقد يندرج في سياق رد الجميل للصهاينة، من طرف المخزن، مقابل الخدمات التي يقدمها له اللوبي اليهودي في العالم، وفي مقدمتها الدفاع عنه في المحافل الدولية سواء في ما يرتبط بقضية الصحراء أو حقوق الإنسان أو الدعاية لمبادراته السياسية الداخلية والخارجية. وقد يدخل تصاعد التطبيع في سياق الجهود الجبارة التي يبذلها الصهاينة لاحتواء العزلة الدولية التي يواجهها كيانهم الغاصب وتلميع سياساتهم التطبيعية مع الشعوب -خاصة في العالم العربي والإسلامي- بعد أن أصيبت في مقتل بسبب جرائمهم الهمجية المتتالية ضد الفلسطينيين وآخرها الحرب على غزة في الصيف الماضي. لأجل ذلك تستعمل هذه التحركات التطبيعية لإعادة الروح لهذه السياسة الإسرائيلية البائسة. وقد تكون هذه الأهداف المختلفة كلها موجِّهة لتصاعد إيقاع التطبيع ومبرِّرَة له.
وأيَّا كان الأمر فإن هذه السياسة المخزنية التطبيعية، الخطيرة والمنبوذة من قبل كل عقلاء البلد وفضلائه وجماهيره الواسعة، لهي جريمة في حق قضية المسلمين الأولى، وخيانة مفضوحة للدماء الزكية التي سالت بغزارة دفاعا عن المقدسات وعن الأقصى المبارك، ومشاركة للصهاينة في المسؤولية الأخلاقية عن جرائمهم وانتهاكاتهم اللاإنسانية. لدى فإن التراجع العاجل عن هذا المسار -غير المشروع والمناقض لثوابت الحق- لهو حكمة عقلية ومصلحة استراتيجية لأنه يضمن الاصطفاف إلى جانب الصواب ونيل شرف الدفاع عن أغلى ما تملكه الأمة، وهو مقدساتها، وتجنّبٌ للخزي والعار الملاحق لكل المطبعين وتفادٍ لعواقب المواجهة المفتوحة مع عموم المسلمين. وإذا كان من المستحيل أن يتوقف الصهاينة عن جهودهم في اختراق المجتمعات العربية والإسلامية وخلق مناخ القبول لوجودهم وسياساتهم والتطبيع معها، لأنها قضية وجودية بالنسبة لهم، فلا أقل من أن يتحلى كل العقلاء والشرفاء بمزيد من اليقظة والتعبئة لكشف هذه السياسات ومناهضتها وتطويق تبعاتها وفضح من يقوم عليها ويساندها من بني جلدتنا حكاما ونخبا.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]