ملتقى القدس بالمغرب نصرة للقدس ودعم للمقاومة وربط للتاريخ
الملتقيان المقدسيان، مكناس وطنجة
يزداد الاحتفاء بأرض بيت المقدس، أرض الإسراء والمعراج سراجا وضياء إذا كان المنطلق هو أرض المغرب الأقصى أرض الشرفاء والأولياء والعلماء، ليعانق ملتقى القدس الرابع لهذه السنة بأرض طنجة و جبل العلم (بجبالها الشامخة وأوتادها العلميين) أغصان ملتقى القدس الثالث بأرض مكناس الزيتون الذي عقد العام الماضي.
ملتقيان مقدسيان تحابا في الله والتقيا عليه وعلى نصرة القدس والأقصى ورفض صفقة القرن ومخططات الكيان الصهيوني والاحتلال والتطبيع، ومواجهة كل من سولت له نفسه الإجهاز على المقاومة وتصفية مقدسات الأمة.
ملتقيان مددا أغصانهما وجبالهما فأخرجا زيتا ميمونيا لتسرج به قناديل بيت المقدس رغم بعد المسافة.
ملتقيان مباركان بنصرة القضية
ملتقى القدس السابق بمكناس والحاضر بطنجة محطتان ربطتا القدس ورحابها بالمدرجات العلمية المغربية، وربطتا الساحات الطلابية بمصاطب معارف المسجد الأقصى وثنايا الأرض المباركة وحارة المغاربة وزوايا المغاربة المقدسية المصمودية والمدينية، لتشتد أوصال مكناس وطنجة وجامعاتها وزواياها ومدارسها العلمية المفعمة بالحب لآل بيت المقدس بنسمات المسجد الأقصى وتاريخ الأجداد ونفحات الإسراء والمعراج.
فحاشا لمكناس وطنجة أن تكونا أرضا جرداء لم تسهم تاريخا في فتوح الأمة والمشرق وبيت المقدس، بل إن مكناس وطنجة كانتا أرضا حبلى بالرجال أهل العلم والجهاد والتربية والمعرفة ممن ساهموا في فتوحات الأمة وبيت المقدس سواء من قريب أو بعيد، سواء بالقلم أو الميدان أو الحركة إيمانا منهم بعقيدة " ولو بزيت ".
المكناسيون وبيت المقدس والشام
إحياء لمعاني الترابط والنصرة بين المغرب والشام وبيت المقدس التي كانت حاضرة قبل الانكسار التاريخي و إسقاط الدولة العثمانية،
وتجديدا لعرى التواصل والمحبة بين المغرب والمشرق، كان ملتقى القدس الثالث بمكناس رباط وصل بين حضارتين، بين حضارة المغرب وحضارة بيت المقدس والشام، لطالما قصدتهما صفقات القرون تخطيطا وتقسيما لفصلهما حدوديا وطائفيا لقطع بواعث الانتصار وتقويض خيوط اللحمة والاصطفاف بين أطراف الأمة المشتتة بصفقة سايس بيكو الأولى ثم صفقة قرن مدمرة مقبلة.
و أقدم هنا نموذجين مغربيين مكناسيين سامقين سبقانا في تحقيق عملية الربط العلمي والجهادي والتاريخي بين حضارة المغرب وبيت المقدس والشام.
النموذج الأول هو ابن يحيى بن أبي الحافظ المكناسي العالم النحرير العاشق لمعالم بيت المقدس والذاكر لبركات وفضائل بيت المقدس بصبابة ومحبة نابعة من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهذه البقعة الطاهرة التي تشد إليها الرحال.
ومن بين أفضل اجتهادات ابن يحيى بن أبي الحافظ المكناسي في مجال تراث بيت المقدس التي تعد من أروع مساهمات التراث المقدسي التي نالت المرتبة السامقة، وعدت في مصاف المصادر المقدسية التي تصنف في فضائل بيت المقدس.. هو " كتاب فضائل بيت المقدس والشام للشيخ إبراهيم بن يحيى بن أبي الحافظ المكناسي(ت661ه..
ويعد العلماء كتابه المحقق من المراجع الأساس في فضائل بيت المقدس وذكر بركاته.
النموذج الثاني من رجال مكناس وأوليائها الذي رحل من مكناس إلى أرض المشرق نزولا بالشام خصوصا بطرابلس -مدينة بلبنان- وهو عبد الواحد المكناسي الولي الصالح المصلح العالم المربي المجاهد.
وسوف أكشف جليا مستقبلا في بحوث للتعريف بهذه الشخصية الجامعة بين الصلاح والإصلاح.
نزل السيد عبدالواحد المكناسي الولي الصالح طرابلس في أول القرن الثامن الهجري بعد زوال الاحتلال الصليبي على يد المماليك، وأسس زاويته المعروفة بـ «زاوية المغاربة» سنة 705 هـ / 1305م ، وقد جاء في النقش الكتابي المثبت داخل الزاوية لحد الآن النص التالي: «أنشأ هذا المكان المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى عبدالواحد المكناسي غفر الله له ولوالديه ولمن كان السبب فيه وللمسلمين في تاريخ سنة خمس وسبعمائة».
الصفعة الجديدة من طنجة
لم ننسى أبدا صفعة الشماليين المغاربة للكيان الصهيوني لما صعد بفريقه الغنائي الاستخباراتي إلى طنجة ليغني غناء السلام والتعايش كما يقال، فتم ضبطه متسللا عبر مجاري فئرانية وقواديس تسمى مجاري التطبيع، وتم طرده من طنجة من قبل رجال عبد السلام بن مشيش شر طردة، وشدد آل العلمي وأصحاب جبل العلم والمغاربة الخناق على الكيان الصهيوني، فراح مهرولا مدحورا الرباط عساه يرحب به من محضن وقبة البرلمان لكن المغاربة حاصروه وصدموه سياسيا وظن أن القبة جدرانا صماء، ثم رحل جبانا إلى سوس و الجنوب ومنطقة أرفود والريصاني المغربية للتطبيع هناك عبر مهرجانات التمور ومركبات الرياضة بسوس، فوجد غصون تمر وشماريخ بسر تنتظره فضحا لكل إرهابي مجرم سفاح ينظم أعماله بخبث لاختراق شعب عرف تاريخيا بأرض الأولياء المجاهدين.
وهاهي التحركات الشعبية المناصرة للقدس وفلسطين والمقاومة تنبعث مجددا من أرض طنجة و الشماليين والمغاربة و تعيد الصفعة مرة أخرى على وجه المشروع الصهيوني شعبيا وعلميا وخطابيا، من خلال شحد الهمم الشمالية والمغربية لتنظم الأيادي الطلابية ملتقى لنصرة القدس وفلسطين، ولتبليغ رسالة لمن يهمهم الأمر أن الشعوب المغاربية ترفض رفضا باتا صفقة القرن ومستعدة للذود عن قضيته المصيرية العقدية السماوية بكل الغالي والنفيس.
لتتحد القوى والفعاليات والمشاركات العلمية والإعلامية والسياسية جنبا إلى جنب لتقول أن الأمة بخير ولها بوصلة واحدة وهي أرض الإسراء والمعراج وعيا وفقها أن تحرير الأرض لن يتحقق إلا بتحرير الإرادات والأقطار من الكيانات الاستبدادية الصغيرة و الديكتاتوريات الصغرى التابعة للكيان الكبير والاستبداد الأعظم.
أرض آل العلمي والاحتفاء بملتقى القدس
وبطبيعة الحال قوة الملتقى الوطني للقدس تضامنا ونصرة ودعما استمد زيته وبركته من بيت المقدس وبيوت المغرب الأقصى خصوصا من معلمة طنجة و بيوت الشرفاء العلميين الشماليين و المغاربة قاطبة الذين كانوا امتدادا لأجدادهم المجاهدين الصالحين المصلحين الجامعين بين علم التزكية والجهاد والتربية والتعليم.
وإذا سبرنا أغوار المخطوطات والمؤلفات سنجد أن نخبة آل العلمي كان لها مناصب جهادية وازنة في الإدارة الهندسية المركزية المقربة في الحرب مع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، بل ولها بصمات قوية في بناء الأسطول الحربي وقيادته ضد الصلبيين وكان لهم أثر صناعة المدارس العلمية والزوايا والاهتمام بالطب والعلم والفقه ونشره في المشرق.
واستشهد هنا بما جادت به ورقة صديقي الباحث والدكتور الحزماوي الفلسطيني عن عوائل آل العلمي والتي تتجذر أصولها من طنجة وتطوان والشمال و جبل العلم (مكان دفن المجاهد الولي عبد السلام بن مشيش رحمه الله ) فيقول:
"أما عائلة العلمي فقد كانت أيضا من العائلات المقدسية العريقة، وتمكنت من الحفاظ على مكانتها بين أعيان المدينة وعلمائها، وتقلد أبناؤها مشيخة الصوفية في الخانقة الصلاحية، كما عينوا أحيانا نوابا للشرع ونقباء للأشراف ليس في مدينة القدس فقط بل وفي مدينة غزة والرملة واللد. وعلى غرار عائلة الجماعي فقد تولى بعض أفراد عائلة العلمي وظائف دينية بمدارس القدس، فعثمان العلمي الذي ورد لفظ أولاده فى المجموعة الأولى من مشايخ الحرم، تولى عام 1732 م وظيفة قراءة الجزأين الشريفين ومؤدب الأطفال بالمدرسة الجوهرية, وتولى فيض الله بن ابي الوفا العلمي وظيفة الجباية على وقف المدرسة الحسينية وقراءة الجزء الشريف فيها".
من كتاب ((دفتر الصرة السلطانية (الرومية) لأهالي القدس الشريف لسنة 1865م 11282 هجري)) صفحة 38-39 للكاتب ((محمد ماجد الحزماوي))