مقالات

هل يستغل المغرب الفرصة للخروج من مستنقع التطبيع؟

بقلم الأستاذ سعيد مولاي التاج

يعتبر قرار القمة الـ 38 للاتحاد الإفريقي، المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الداعي إلى وقف التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، فرصة تاريخية لا تعوض للنظام المغربي للخروج من ورطة التطبيع، التي جرت عليه سخطا وطنيا وعربيا وإسلاميا، ولم يحقق منها أي مكاسب اقتصادية أو سياسية…فهل يستغل حكماء المخزن هذه الفرصة للخروج من هذا المستنقع؟ ويحافظوا على علاقاتهم الإقليمية وامتداداتهم الإفريقية، أم تكون القضية الفلسطينية مرة أخرى ضحية لمغادرة الاتحاد الإفريقي ومن نيروبي مجددا؟

ففي البيان الختامي الصادر عنها، أدانت القمة الافريقية، بشدة، الحرب “الإسرائيلية” والعدوان الهمجي على قطاع غزة، كما أكدت القمة، على رفضها انتهاكات “إسرائيل” للقانون الدولي واستهدافها المدنيين والبنية التحتية، واعتبرت أن “الاحتلال الاسرائيلي يرتكب إبادة جماعية في حق الفلسطينيين”؛ داعية إلى محاكمة رموزها دوليا، ودعت دول إفريقيا وقف التعاون والتطبيع مع إسرائيل حتى تنهي احتلالها وعدوانها على فلسطين”.

فإلى أي حد سيلتزم المغرب بقرارات الاتحاد للإفريقي عائلته المؤسسية كما سماه الملك؟ وإلى أي حد سيحافظ على استثماراته الاقتصادية ومصالحه السياسية في إفريقيا[1]؟ وإلى أي حد سيتجاوب مع نبض الشارع المغربي والعالمي الإنساني الرافض لجرائم الإبادة ضد الإنسانية؟ وإلى أي حد سيعتبرها مخرجا دبلوماسيا مقبولا لحفظ ما تبقى من ماء وجهه المهدور على محرقة السياسة الصهيو/أمريكية؟

وهل يظل وفيا لقيمه السياسية وأعرافه الدبلوماسية، التي عبر عنها العاهل المغربي[2] “إن فرض أمر واقع لا أخلاقي، والانقلاب على الشرعية الدولية، دفعا المملكة المغربية، تفاديا للتجزئة والانقسام، إلى اتخاذ قرار مؤلم، يتمثل في الانسحاب”، وأضاف أنه “من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية، كما أنه من الصعب أيضا القبول بمقارنة المملكة المغربية، كأمة عريقة في التاريخ، بكيان يفتقد لأبسط مقومات السيادة، ولا يتوفر على أي تمثيلية أو وجود حقيقي”، أفلا تنطبق كل هذه الأوصاف على كيان مغتصب مارق، خارق للقانون الدولي، منقلب على الشرعية الدولية، وهمي طارئ، مدسوس في قلب الأمة من قوى الاستعمار والاستكبار؟

أم أن المغرب الرسمي سينساق مع المطبلين المتصهينين من أنصار ” كلهم إسرائيليون”؟ أو يسبح مع تيار المنبطحين المرتدين عن نضالات أحزابهم وتاريخ شعبهم وهوية أمتهم، ممن صاروا يعتبرون التطبيع خيارا استراتيجيا ورهانا على كيان زائل قريبا، ويصفون شرفاء المغرب من المناهضين للتطبيع الذين صاروا شامة بين الأقران، بأنهم “مبتزون ولا يملكون أفقا استراتيجيا”، وهم من حفظ ماء وجه المغرب وتاريخه وإرثه الإنساني والنضالي في العالم، وقد تناسى المطبعون المنبطحون أنهم إلى عهد قريب، في فورة الربيع العربي، وفي يناير 2011 بالضبط، تبنوا قانون تجريم التطبيع بمعية حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وحزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، والذي نص مقترحه حينها على معاقبة “كل من يساهم أو يشارك في ارتكاب أفعال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي أو يحاول ارتكابها بعقوبة حبس تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة تتراوح بين مائة ألف ومليون درهم، فيما تسري أحكام هذا القانون على كل من اختار الجنسية الإسرائيلية”، لكن للأسف فرقتكم السياسة والحسابات السياسوية، ووحدكم “القات السياسي” والتدجين المخزني، وجمعكم التطبيع، فصرتم تبررون وتزورون وتجملون وتحبرون، بعد أن اغتلتم هذا القانون[3] بضغط جهات من الطابور الخامس الصهيوني، وكان سيكون درعا قانونيا لتحصين الدولة والمجتمع من غربان التطبيع.

إن الرهان الحقيقي يا “أبو رهان” يكون على الشعوب، وعلى التنمية المحلية، وعلى الديمقراطية الحقيقية، وعلى السيادة الوطنية، وعلى المرجعية الأخلاقية، وعلى القيم الإنسانية، وليس على كيان عنصري مجرم فاشي مدان دوليا، لا هوية ولا تاريخ ولا مستقبل له، وهذا الرهان الاستراتيجي أدركه الرواد الشرفاء الأحرار ممن تزعموا الحركة والوطنية ونضالات التحرير، ولأن المناسبة شرط نذكر بكلمة استراتيجية من رجل رجال المغرب يتحدث فيها عن إفريقيا وعن علاقتها بتحرر فلسطين، هو المناضل الزعيم المهدي بن بركة ، ففي كلمته أمام زعماء إفريقيا ب”ندوة فلسطين العالمية” المنعقدة بالقاهرة من 30 مارس إلى 6 أبريل 1965، يقول :”من واجبنا أن نعلن رفضنا لهذا الواقع ككل واقع استعماري، لأننا نرفضه كعرب ونرفضه كمناضلين ثوريين؛ نرفضه كعرب لأن دور إسرائيل في إفريقيا هو جزء من مخطط استعماري ضد الثورة العربية، ونرفضه كمناضلين ثوريين لأن دور إسرائيل في إفريقيا هو جزء من الخطة الاستعمارية ضد الحركة التحررية العالمية….إن قضية فلسطين اليوم دخلت في إطار قضايا حركة التحرر العالمية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي لم تعد قضية عرب ويهود، بل حركة عربية ثورية ضد قوى الاستعمار بلا تعصب عنصري”، وهو نفس الفهم والوعي الاستراتيجي للتحرر، الذي يؤكده الزعيم علال الفاسي، والذي لا يفرق بين تحرير فلسطين وتحرير الأوطان من الاستبداد، فهي معركة واحدة، فسبب هذه النكبة المخجلة والفضيحة المؤلمة هو “ضعف القادة، واعتمادهم على غير عقيدة الشعب الذي يريدون أن يقودوه إلى النصر، فهؤلاء القادة لم تخترهم شعوبهم، وإنما فرضوا أنظمتهم عليها فرضا، لذلك فلا بديل عن حركة شعبية ديمقراطية تتيح للأمة العربية تقرير مصيرها، واختيار من يحكمها بنفسه”[4]

فمتى يدرك رفاق الشهيد المهدي وعمر وبوعبيد واليوسفي، وورثة السي علال وبلافريج وغلاب وبوستة،[5] وأنصار العثماني وابن كيران، أن تحرير فلسطين مرتبط بتحرير المغرب من الاستبداد والفساد، وأنها معركة لا تربح بالتماهي مع سياسات المخزن، ومجاراة رموزه واختياراتهم، فالتطبيع مع الصهاينة لم يكن ولن يكون قرارا وطنيا مبررا ولا اختيارا إنسانيا مقبولا، مهما كانت الإكراهات والتحديات، بل هو خطأ استراتيجي قاتل، يشكل قرار الاتحاد الإفريقي وقبله قرار المحكمة الجنائية وتصريحات مجرمي الكيان والعدوان الأخير على غزة فرصة لإسقاطه قد لا تتكرر، فهل يكون حكماء المخزن على موعد مع التاريخ أم سيفوتهم القطار؟

[1] انتقلت المبادلات التجارية بين المغرب ودول أفريقيا من 36.3 مليار درهم (3.6 مليارات دولار) سنة 2013 إلى 52.7 مليار درهم (5.2 مليارات دولار) سنة 2023، وتشكل الصادرات المغربية نحو الدول الأفريقية ما نسبته 7.6% من مجموع صادرات المملكة.

[2] في رسالته إلى القمة 27 للاتحاد الأفريقي المنعقدة بالعاصمة الرواندية كيغالي

[3]قانون أعده “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”2014 وحظي بقبول سياسي واسع لكن تم الانقلاب عليه.

[4] علال الفاسي، القضية الفلسطينية والقدس في الفكر والوجدان، إعداد المختار باقة، الرباط، مؤسسة علال الفاسي، ط1، 2018

[5]في 6 شتنبر2023 أجل رئيس مجلس المستشارين المغربي ثاني رجل في هرم السلطة بالمغرب، النعم ميارة، زيارته لإسرائيل وقيل حينها بسبب وعكة صحية، ولكنها كانت تراجعا سياسيا.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
Essai iptv gratuit Test IPTV 48h Premium Abonnement IPTV Premium Smart IPTV iptv gratuit Test iptv 7 jours Abonnement iptv iptv premium Essai iptv gratuit Test IPTV 48h Premium Abonnement IPTV Premium Smart IPTV iptv gratuit Test iptv 7 jours Abonnement iptv iptv premium Essai iptv gratuit Test IPTV 48h Premium Abonnement IPTV Premium Smart IPTV iptv gratuit Test iptv 7 jours Abonnement iptv iptv premium Essai iptv gratuit Test IPTV 48h Premium Abonnement IPTV Premium Smart IPTV iptv gratuit Test iptv 7 jours Abonnement iptv iptv premium Essai iptv gratuit Test IPTV 48h Premium Abonnement IPTV Premium Smart IPTV iptv gratuit Test iptv 7 jours Abonnement iptv iptv premium